فصل: تفسير الآية رقم (96):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (90):

{فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90)}
{فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ} تفريع على قوله عليه السلام: {إِنّى سَقِيمٌ} [الصافات: 89] أي أعرضوا وتركوا قربه، والمراد أنهم ذهبوا إلى معيدهم وتركوه، و{مُّدْبِرِينَ} إما حال مؤكدة أو حال مقيدة بناء على أن المراد بسقيم مطعون أو أنهم توهموا مرضًا له عدوى مرض الطاعون أو غيره فإن المرض الذي له عدوى بزعم الأطباء لا يختص رض الطاعون فكأنه قيل: فاعرضوا عنه هاربين مخافة العدوى.

.تفسير الآية رقم (91):

{فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91)}
{فَرَاغَ إلى ءالِهَتِهِمْ} فذهب بخفية إلى أصنامهم التي يعبدونها، وأصل الروغان ميل الشخص في جانب ليخدع من خلفه فتجوز به عما ذكر لأنه المناسب هنا {فَقَالَ} للأصنام استهزاء {أَلا تَأْكُلُونَ} من الطعام الذي عندكم، وكان المشركون يضعون في أيام أعيادهم طعامًا لدى الأصنام لتبرك عليه، وأتى بضمير العقلاء لمعاملته عليه السلام إياهم معاملتهم.

.تفسير الآية رقم (92):

{مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92)}
{مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ} بجوابي.

.تفسير الآية رقم (93):

{فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93)}
{فَرَاغَ عَلَيْهِمْ} فمال مستعليًا عليهم وقوله تعالى: {ضَرْبًا} مصدر لراغ عليهم باعتبار المعنى فإن المراد منه ضربهم أو لفعل مضمر هو مع فاعله حال من فاعله أي فراغ عليهم يضربهم ضربًا أو هو حال منه على أنه مصدر عنى الفاعل أي ضاربًا أو مفعول له أي لأجل ضرب. وقرأ الحسن {سفقا وصفقا} أيضًا {عَلَيْهِمْ ضَرْبًا باليمين} أي باليد اليمين كما روى عن ابن عباس، وتقييد الضرب باليمين للدلالة على شدته وقوته لأن اليمين أقوى الجارحتين وأشدهما في الغالب وقوة الآلة تقتضي شدة الفعل وقوته أو بالقوة على أن اليمين مجاز عنها.
روى أنه عليه السلام كان يجمع يديه في الآلة التي يضربها بها وهي الفأس فيضربها بكمال قوته، وقيل المراد باليمين الحلف، وسمي الحلف يمينًا إما لأن العادة كانت إذا حلف شخص لآخر جعل يمينه بيمينه فحلف أو لأن الحلف يقوي الكلام ويؤكده، وأريد باليمين قوله عليه السلام {تالله لاكِيدَنَّ أصنامكم} [الأنبياء: 57] والباء عليه للسببية أي ضربًا بسبب اليمين الذي حلفه قبل وهي على ما تقدم للاستعانة أو للملابسة.

.تفسير الآية رقم (94):

{فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94)}
{فَأَقْبَلُواْ إِلَيْهِ} أي إلى إبراهيم عليه السلام بعد رجوعهم من عيدهم وسؤالهمعن الكاسر وقولهمِ {فأتوا بهم على أعين الناس} [الأنبياء: 61] {يَزِفُّونَ} حال من واو أقبلوا أي يسرعون من زف النعام أسرع لخلطه الطيران بالمشي ومصدره الزف والزفيف، وقيل: {يَزِفُّونَ} أي يمشون على تؤدة ومهل من زفاف العروس إذا كانوا في طمأنينة من أن ينال أصنامهم بشيء لعزتها، وليس بشيء.
وقرأ حمزة. ومجاهد. وابن وثاب. والأعمش {يَزِفُّونَ} بضم الياء من أزف دخل في الزفيف فالهمزة ليس للتعدية أو حمل غيره على الزفيف فهي لها قاله الأصمعي. وقرأ مجاهد أيضًا. وعبد الله بن يزيد. والضحاك ويحيى بن عبد الرحمن المقري. وابن أبي عبلة {يَزِفُّونَ} مضارع وزف عنى أسرع، قال الكسائي، والفراء: لا نعرف وزف عنى زف وقد أثبته الثقات فلا يضر عدم معرفتهما. وقرئ {يَزِفُّونَ} بالبناء للمفعول، وقرئ {يَزِفُّونَ} بسكون الزاي من زفاه إذا حداه كأن بعضهم يزفو بعضًا لتسارعهم إليه.

.تفسير الآية رقم (95):

{قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95)}
{قَالَ} بعد أن أتوا به عليه السلام وجرى ما جرى من المحاورة على سبيل التوبيخ والإنكار عليهم {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} أي الذي تنحتونه من الأصنام فما موصولة حذف عائدها وهو الظاهر المتبادر، وجوز كونها مصدرية أي أتعبدوننحتكم، وتوبيخهم على عبادة النحت معأنهم يعبدون الأصنام وهي ليست نفس النحت للإشارة إلى أنهم في الحقيقة إنما عبدوا النحت لأن الأصنام قبله حجارة ولم يكونوا يعبدونها وإنما عبدوها بعد أن نحتوها ففي الحقيقة ما عبدوا إلا نحتهم، وفيه ما فيه.

.تفسير الآية رقم (96):

{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)}
{والله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} في موضع الحال من ضمير {تَعْبُدُونَ} [الصافات: 95] لتأكيد الإنكار والتوبيخ والاحتجاج على أنه لا ينبغي تلك العبادة، وما موصولة حذف عائدها أيضًا أي خلقكم وخلق الذي تعملونه أي من الأصنام كما هو الظاهر، وهي عبارة عن مواد وهي الجواهر الحجرية وصور حصلت لها بالنحت؛ وكون المواد مخلوقة له عز وجل ظاهر، وكون الصور والأشكال كذلك مع أنها بفعلهم باعتبار أن الأقدار على الفعل وخلق ما يتوقف عليه من الدواعي والأسباب منه تعالى، وكون الأصنام وهي ما سمعت معمولة لهم باعتبار جزئها الصوري فهو مع كونه معمولًا لهم مخلوق لله تعالى بذلك الاعتبار فلا إشكال.
وفي المتمة للمسألة المهمة تأليف الشيخ إبراهيم الكوراني عليه الرحمة صريح الكلام دال على أن الله تعالى خالق للأصنام بجميع أجزائها التي منها الأشكال، ومعلوم أن الأشكال إنما حصلت بتشكيلهم فتكون الأشكال مخلوقة لله تعالى معمولة لهم لكون نحتهم وتشكيلهم عين خلق الله تعالى الأشكال بهم.
ولا استحالة في ذلك لأن العبد لا قوة له إلا بالله تعالى بالنص ومن لا قوة له إلا بغيره فالقوة لذلك الغير لإله فلا قوة حقيقة إلا لله تعالى، ومن المعلوم أنه لا فعل للعبد إلا بقوة فلا فعل له إلا بالله تعالى فلا فعل حقيقة إلا لله تعالى، وكل ما كان كذلك كان النحت والتشكيل عين خلق الله سبحانه الأشكال بهم وفيهم بالذات وغيره بالاعتبار فيكون المعمول عين المخلوق بالذات وغيره بلاعتبار فإن إيجاد الله عز وجل يتعلق بذات الفعل من حيث هو وفعل العبد بالمعنى المصدري يتعلق بالفعل عنى الحاصل بالمصدر من حيث كونه طاعة أو معصية أو مباحًا لكونه مكلفًا والله تعالى له الإطلاق ولا حاكم عليه سبحانه انتهى فافهم.
والزمخشري جعل أيضًا ما موصولة إلا أنه جعل المخلوق له تعالى هو الجواهر ومعمولهم هو الشكل والصورة إما على أن الكلام على حذف مضاف أي وما تعملون شكله وصورته، وإما على أن الشائع في الاستعمال ذلك فإنهم يقولون عمل النجار الباب والصائغ الخلخال والبناء البناء ولا يعنون إلا عمل الشكل بدون تقدير شكل في النظم كأن تعلق العمل بالشيء هو هذا التعلق لا تعلق التكوين، وهو مبني على اعتقاده الفاسد من أن أفعال العباد مخلوقة لهم، والاحتجاج في الآية على الأول بأن يقال: إنه تعالى خلق العابد والمعبود مادة وصورة فكيف يعبد المخلوق المخلوق؟ وعلى الثاني بأنه تعالى خلق العابد ومادة المعبود فكيف يعبد المخلوق المخلوق على أن العابد منهما هو الذي عمل صورة المعبود، والأول أظهر وعدل عن ضمير {مَا تَنْحِتُونَ} [الصافات: 95] أو الإتيان به دون ما تعملون للإيذان بأن مخلوقية الأصنام لله عز وجل ليس من حيث نحتهم لها فقط بل من حيث سائر أعمالهم أيضًا من التصوير والتحلية والتزيين.
وفي الكشف فائدة العدول الدلالة على أن تأثيرهم فيها ليس النحت ثم العمل يقع على النحت والأثر الحاصل منه ولا يقع النحت على الثاني فلابد من العدول لهذه النكتة وبه يتم الاحتجاج أي الذي قيل على اعتبار الزمخشري. وجوز أن يكون الموصول عامًا للأصنام وغيرها وتدخل أوليًا ولا يتأتى عليه حديث العدول، وقيل ما مصدرية والمصدر مؤول باسم المفعول ليطابق {مَا تَنْحِتُونَ} على ما هو الظاهر فيه ويتحد المعنى مع ما تقدم على احتمال الموصولية، وجوز بقاء المصدر على مصدريته والمراد به الحاصل بالمصدر أعني الأثر وكثيرًا ما يراد به ذلك حتى قيل: إنه مشترك بينه وبين التأثير والإيقاع أي خلقكم وخلق عملكم، واحتج بالآية على المعتزلة. وتعقب بأنه لا يصح لأن الاستدلال بذلك على أن العابد والمعبود جميعًا خلق الله تعالى فكيف يعبد المخلوق مخلوقًا ولو قيل: إن العابد وعمله من خلق الله تعالى لفات الملاءمة والاحتجاج، ولأن {مَا} في الأول موصولة فهي في الثاني كذلك لئلا ينفك النظم، وما قاله القاضي البيضاوي من أنه لا يفوت الاحتجاج بل أنه أبلغ فيه لأن فعلهم إذا كان بخلق الله تعالى كان مفعولهم المتوقف على فعلهم أولى بذلك، وأيد بأن الأسلوب يصير من باب الكناية وهو أبلغ من التصريح ولا فائدة في العدول عن الظاهر إلا هذا فيجب صونًا لكلام الله تعالى عن العبث تعقبه في الكشف بأنه لا يتم لأن الملازمة ممنوعة عند القوم ألا ترى أنهم معترفون بأن العبد وقدرته وإرادته من خلق الله تعالى ثم المتوقف عليهما وهو الفعل يجعلونه خلق العبد، والتحقيق أنه يفيد التوقف عليه تعالى وهم لا ينكرونه إنما الكلام في الإيجاد والأحداث ثم قال: وأظهر منه أن يقال: لأن المعمول من حيث المادة كانوا لا ينكرون أنه من خلق الله تعالى فقيل هو من حيث الصورة أيضًا خلقه فهو مخلوق من جميع الوجوه مثلكم من غير فرق فلم تسوونه بالخالق وما ازداد بفعلكم إلا بعد استحقاق عن العبادة ولما كان هذا المعنى في تقرير الزمخشري على أبلغ وجه كان هذا البناء متداعيًا كيفما قرر، على أن فائدة العدول قد اتضحت حق الوضوح فبطل الحصر أيضًا، وقد قيل عليه: إن المراد بالفعل الحاصل بالمصدر لأنه بالمعنى الآخر أعني الإيقاع من النسب التي ليست وجودة عندهم، وتوقف الحاصل بالإيقاع على قدرة العبد وإرادته توقف بعيد بخلاف توقفه على الإيقاع الذي لا وجود له فيكون ما ذكره في معرض السند مجتمعًا مع المقدمة الممنوعة فلا يصلح للسندية، والمراد فعولهم أشكال الأصنام المتوقف على ذلك المعنى القائم بهم.
إذا كان ذاك بخلقه تعالى فلأن يكون الذي لا يقوم بهم بل بما يباينهم بخلقه تعالى أولى.
ولا مجال للخصم أن يمنع هذه الملازمة إذ قد أثبت خلق المتولدات مطلقًا للعباد بواسطة خلقهم لما يقوم بهم، وانتفاء الأول ملزوم لانتفاء الثاني فتأمل، وقال في «التقريب» انتصارًا لمن قال بالمصدرية: إن الجواهر مخلوقة له تعالى وفاقًا والأعمال مخلوقة أيضًا لعموم الآية فكيف يعبد ما لا مدخل له في الخلق فدعوى فوات الاحتجاج باطلة وكذلك فك النظم والتبتير، وتعقبه في الكشف أيضًا فقال فيه: إن المقدمة الوفاقية إذا لم يكن بد منها ولم تكن معلومة من هذا السياق يلزم فوات الاحتجاج، وأما الحمل على التغليب في الخطاب فتوجيه لا ترجيح والكلام في الثاني.
ثم قال: وأما أن المصدرية أولى لئلا يلزم حذف الضمير فمعارض بأن الموصولة أكثر استعمالًا وهي أنسب بالسياق السابق على أنه لابد من تقدير عملهم في المنحوت فيزداد الحذف.
واعترض بانا لا نسلم الأكثرية وكذا لا نسلم أنها أنسب بالسياق لما سمعت من أن الأسلوب على ذلك من باب الكناية وهو أبلغ من التصريح والتقدير المذكور ليس بلازم لجواز إبقاء الكلام على عمومه الشامل للمنحوت بالطريق الأولى أو يقدر صدر مضاف إضافة عهدية، وبعضهم جعلها موصولة كناية عن العمل لئلا ينفك النظم ويظهر احتجاج الأصحاب على خلق أفعال العباد. وتعقبه أيضًا بأنه أفسد من الأول لما فيه من التعقيد وفوات الاحتجاج، وكون الموصول في الأول عبارة عن الأعيان وفي الثاني كناية عن المعاني وانفكاك النظم ليس لخصوص الموصولية والمصدرية بل لتباين المعنيين وهو باق. و«صاحب الانتصاف» قال بتعين حملها على المصدرية لأنهم لم يعبدوا الأصنام من حيث كونها حجارة وإنما عبدوها من حيث أشكالها فهم في الحقيقة إنما عبدوا عملهم وبذلك تبتلج الحجة عليهم بأنهم وعملهم مخلوقان لله تعالى فكيف يعبد المخلوق مخلوقًا مثله مع أن المعبود كسب العابد وعمله، وأجاب عن حديث لزوم انفكاك النظم بأن لنا أن نحمل الأولى على المصدرية أيضًا فإنهم في الحقيقة إنما عبدوا نحتهم، وفي دعوى التعين بحث، وجوز كون ما الثانية استفهامية للإنكار والتحقير أي وأي شيء تعملون في عبادتكم أصنامًا نحتموها أي لا عمل لكم يعتبر، وكونها نافية أي وما أنتم تعملون شيئًا في وقت خلقكم ولا تقدرون على شيء، ولا يخفى أن كلا الاحتمالين خلاف الظاهر بل لا ينبغي أن يحمل عليه التنزيل، وأظهر الوجوه كونها موصولة وتوجيه ذلك على ما يقوله الأصحاب ثم كونها مصدرية، والاستدلال بالآية عليه ظاهر، وقول صاحب الكشف: والانصاف أن استدلال الأصحاب بهذه الآية لا يتم إن أراد به ترجيح احتجاج المعتزلة خارج عن دائرة الإنصاف، ثم إنها على تقدير أن لا تكون دليلًا لهم لا تكون دليلًا للمعتزلة أيضًا كما لا يخفى على المنصف، هذا ولما غلبهم إبراهيم عليه السلام بالحجة مالوا إلى الغلبة بقوة الشوكة.